الأربعاء، 23 أغسطس 2017

استخدام المعلومات والبيانات في الكتابة العلمية والإعلامية بين الشفافية والمساءلة

بقلم
الأستاذ الدكتور / فتحي محمد أبو عيانه
أستاذ الجغرافيا البشرية بكلية الآداب – جامعة الاسكندرية
ونائب رئيس الجامعة الأسبق لشؤون التعليم والطلاب


يعيش عالم اليوم فيما يُعرف بثورة المعلومات والمعرفة ، وهي مرحلة حاسمة في التاريخ الإنساني تتصف بالديناميكة الناجمة عن التغييرات المتلاحقة في انتاج المعلومات ، وفي أنماط تسجيلها ، ومعالجتها ، ونشرها بوسائط النشر والإعلام المختلفة ؛مقروءة كانت ،أم مسموعة ،أم مرتبة.
ويقاس تقدم الدول بمدي اعتمادها علي نظم معلومات دقيقة ومتكاملة في مجالات النشاط البشري المختلفة ، وكلما استطاعت الدولة أن تبتكر طرقا لحماية المعلومات ، وتحديد مجالات الاستفادة منها في مجالات التنمية المختلفة ، كلما كان ذللك دليلاً علي تقدمها ، ومقدرتها علي مواجهة الأزمات والمعوقات التي تعترض سبل تقدمها.
وتعد المعلومات  Information ، والبيانات Data السليمة والدقيقة أساساً للتحليل العلمي الصحيح للدراسة والبحث والكتابة للأغراض المختلفة سواء كانت كتابة للمتخصصين أو لعامة القراء ، وسواء كانت ضمن مطبوعات منشورة أو ضمن وسيلة من وسائل الإعلام ؛ ولعل من نافلة القول أن المعلومات والبيانات السليمة تُفضيان إلي نتائج سليمة موثوق بها ، وتضفي علي كاتبها مصداقية وثقة فيما توصل إليه من استنتاجات وتوصيات تفيد في وضع السياسة بعامة ـوفي صنع القرار علي وجة الخصوص.
وغني علي القول أن الكتابة فن وموهبة تدعمها مقدرة الكاتب علي فهم الحقائق التي تحتويها المعلومات والبيانات ، وإحساسه الذاتي بمصداقية البيانات التي تعتمد عليها ، وكذلك مقدرتة علي استنتاج ما يُعرف مثلاً بالتضليل الإحصائي في البيانات الرقمية ، أو بأن المعلومات المتاحة متضاربة وغير دقيقة ،وغير ذلك  من الأمور التي ينظمها ما يعرف بالميثاق الأخلاقي في التعامل مع المعلومات والبيانات كروافد للكتابة العلمية والإعلامية الصحيحة.

والكاتب يبدأ كتابته بمشاهدة الظواهر التي يلاحظها والظروف الزمانية والمكانية التي ترتبط بها ، ثم يحلل هذه الظواهراهر بطريقة يسهل فهمها وتحليل الوصول الي نتائج مقدمة ومفيدة وهذه كلها  تدخل فيما يُعرف بالبيانات الأولية primary data التي يستخدمها الكاتب للوصول الي الحقيقة ، وهي في الواقع تعد مادة خام كالألوان في يد الفنان – يصنع منها لوحة فنية تبرز مقدرته علي الرسم ، وتعطي الانطباع المباشر عن موهبته وشخصيته
أما المعلومات Information فتمثل العمود الفقري للكتابة العلمية والإعلامية الصحيحة  ، وهي كما يقول البعض بمثابة الدماء في جسم الانسان لاغني عنها ، ويجب أن تظل دائما في حالة سليمة ومتجددة ؛ وقد تطورت وسائل تجميع البيانات وتحليلها في الوقت الحاضر تطوراً كبيراً ارتبط بتعدد مصادرها وخاصة تلك التي يستقيها الكاتب من شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) والتي تمثل  في حد ذاتها تطوراً مذهلاً في توفير المعلومات وأصبحت سلاحاً ذا حدين فية الفائدة من ناحية ويحمل في ثناياه أضراراً جسيمة من ناحية أخري ، وتبقي الاستفادة من هذا المصدر رهنا بقدرة الباحث وما يتوفر لدية من مستوي تقني ، وكذلك مدي مقدرة الدولة علي التحكم فيما يتاح من معلومات وبيانات عليها وفق قيم المجتمع وتقاليده ، ورغم ذلك فمازالت الانترنت تمثل تحدياً كبيرأ للكتابة العلمية والإعلامية في العالم وخاصة الدول النامية التي يشكل سكانها ما يزيد علي أربعة أخماس سكان العالم في الوقت الحاضر.

              
وقد تطورت أساليب جمع وتخزين ونشر المعلومات والبيانات المختلفة في تخصص جديد يسمي بنظم المعلومات الجغرافية Geographic Information System ( GIS) التي تعتمد بدورها علي الحاسبات الآلية لتخزين ومعالجة البيانات المكانية التي تمثل بدورها في الخرائط وربطها بالبيانات الوصفية لإعطاء نتائج متنوعة في النهاية تعزز من استخلاص ودعم الأفكار  التطبيقية في مجالات التنمية المختلفة.
ولا يغيب عن الذهن أن الهدف الأساسي من جمع البيانات والمعلومات هو استخدامها بأسلوب علمي بهدف إعطاء صورة واقعة وسليمة عن الظاهرة المدروسة أو المجتمع المدروس يمكن من خلالها التعرف علي مشكلاتة الرئيسة ، وتسهم  في إيجاد حلول وبدائل أمام واضعي السياسة وصناع القرار.
ويعتمد الكاتب – للحصول علي البيانات والمعلومات – علي مصادر Sources ومراجع References ، ويفرق الباحثون بينهما في أن المصدر هو المرجع الأصلي – أما المرجع فهو المرجع الثانوي ، وذلك على اعتبار أن المصدر مرجع وليس العكس علي أية حال .
وتفيد المراجع في إعطاء الكاتب فكرة عامة من الموضوع الذي يكتب فيه ، ترشده إلي بعض المراجع التي تهمه وذلك من قائمة المراجع  التي يحتويها ذلك المرجع ، وهنا ينبغي علي الكاتب أن يعرف ما كتبه السابقون ويستفيد منه ويحتكم إليه إذا كان من ثقاة المراحع ، وان يبدأ من حيث انتهي السابقون وان يعمل اليوم لكي يشهد الباحثون في الغد ما يمكن أن يفيدهم في كتابتهم مستقبلاً.
ويرتبط بالمراجع ما يعرف بالمراجع الفهرسية Bibliographies او البيليوغرافيا التي صدرت في مختلف الموضوعات وبمختلف اللغات سواء كانت دولية أو إقليمية أو وطنية (محلية) ، وكذلك الموسوعات أو دوائر المعارف Encyclopedias  التي تمثل في كثر من الموضوعات نقطة البداية سواء كانت موسوعات متخصصة ، أو موسوعات هامة كالموسوعة البريطانية والامريكية والفرنسية وموسوعة الإسلام وغيرها.
ويضاف إلي مصادر المعلومات – ما يعرف بالدوريات العلمية التي تصدر من جهات علمية متخصصة غير أن المشكلة الرئيسة الي تواجه المجتمع العلمي والإعلامي  اليوم هي كيف يمكن تداول المعلومات والبيانات تداولاً يحفظ حقوق الملكية الفكرية التي نصت عليها الاتفاقية العالمية للملكية الفكرية (التربس TRIPS) ، وكذلك قانون حماية الملكية الفكرية في مصر ، وتحديد المسئولية في هذا المجال.
ويعاني العالم العربي من نقص حاد في البيانات والمعلومات المتعمقة والضرورية للقيام بالبحوث والدراسات المتخصصة ، ويؤدي غاب البيانات الجديدة والدقيقة والحديثة من مصادر عربية إلي لجوء الباحث أو الكاتب إلي بيانات دولية هي في الأعم الأغلب تقديرات  تختلف من منظمة إلي أخري.
والواقع  أن نقص أعداد ونشر البيانات في الدول العربية ليس مستغرباً . فهو يعكس بعضا من عواقب التخلف ، ومن بين العواقب قلة كفاءة الجهاز الحكومي , وضعف الثقافة العلمية في اتخاذ القرار الأمر الذي يًضعف بدوره الطلب علي البيانات والمعلومات بوجه عام ويقلل من كفاءة انتاجها (تقرير التنمية الانسانية العربية 2002)
وقد اهتمت الجامعات ومراكز البحوث ومؤسسات أخري بما طرأ علي مجتمع المعلومات من تطور ، وتزايد الاعتماد علي شبكة المعلومات العالمية (الانترنت)(www) World Wide Web ، والتي أصبحت تشكل ثقافة عالمية جديدة تعرف بثقافة الانترنت ومع توسعها وتغلغلها في النشاط البشري أصبح هناك اهتمام بالشفافية والمساءلة في مجالها ، وهي تعرف حاليا (بدراسات الانترنت) التي تتناول التفاعل بين تلك الشبكة المعلوماتية العالمية والمجتمع الحديث ، وأصبح من أهداف تلك الدراسة الاهتمام بأمن الانترنت ، والحقوق الرقمية وبقانون الملكية الفكرية في هذا المجال المستحدث . وارتبط ذلك بما يعرف بالمعلوماتية الاجتماعية ، Social Information ، والصناعة الرقمية Digital Industry   ، وما ترتب علي ذلك كله من أنشطة أو قطاعات الكترونية e- sectors  مثل التعليم الالكتروني ....... الخ.
وصفوة القول ، فإن تداول المعلومات والبيانات رغم أهميته ، إلا أنه ينبغي ان يخضع لقواعد صارمة تحفظ  حقوق الآخرين من ناحية ، وتحدد مسئولية المؤسسة او الأفراد من ناحية أخري ورغم أن هناك مواثيق أخلاقية مهنية متعارف عليها ، فإن تداول المعلومات قد ينحرف عنها أحياناً لأهداف عديدة ترتبط باتجاه الكاتب وميوله ، أو بسياسة الدولة وعلاقتها بالدول الأخري ، أو حتي بمقاومة ما عُرف في عالم اليوم بالقرصنة الفكرية التي أصبحت ظاهرة عالمية تقاومها المؤسسات الاكاديمية وغير الأكاديمية علي المستوي المحلي والأقليمي والعالمي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق